تبييض صورة النازية ومشاركتنا فيه بقصد أو بدون

بعد تصاعد وتيرة الإبادة الجماعية في غزة من قبل قوات الاحتلال الصهيونية والفشل الذريع لاستراتيجية البروباجندا الصهيونية في توجيه الرأي العام الغربي وذلك لأسباب عديدة منها مثلا انتشار منصة محتوى صينية مثل تيك توك في أوروبا وأمريكا حيث الرقابة على المحتوى المناصر للقضية الفلسطينية أكثر حيادية (لأسباب سياسية بحتة بالتأكيد) حدث تحول ملحوظ في السردية الصهيونية من المظلومية اليهودية تحت زعم أن حماس تحاول تكرار الهولوكوست النازي إلى محاولة الدفاع عن استراتيجية جيش الاحتلال في غزة تحت زعم أن ما تقوم به اسرائيل ليس مذبحة ولا تطهيرا عرقيا، أكثر المحاولات بؤسا كان التلاعب اللغوي والتساؤل البرئ عن "هل كلمة مذبحة هي الكلمة المناسبة في المعجم لوصف ما يحدث؟ أم أن عدد القتلى يجب أن يصل إلى أرقام أكبر بكثير من الرقم الحالي".

 

أتى بعد ذلك محاولة وصف المقاومة بأنها أشد عنفا وأكثر بطشا باليهود من النازيين، ربما كانت تلك الاستراتيجية الجديدة محاولة لمجابهة التحركات اليهودية الرافضة للصهيونية التي لم تعد مقتصرة كما كانت تاريخيا على اليهود الرافضين عقائديا لقيام الدولة "الآن" بل خرجت إلى صفوف اليهود العلمانيين في أمريكا. ولكن كيف يمكن وصف حماس بأنها أشد عنفا من النازية بعد عقود من الاستثمار الضخم في الترويج لسردية حصرية المظلومية من النازي لليهود وبشاعة جرائمه؟ خصوصا مع الفشل في تقديم أي دليل مادي على بشاعة جرائم حماس، وصل الفشل في ذلك لاستخدام الذكاء الاصطناعي لفبركة صور ومكالمات مسجلة لم ينتبه عباقرة البروباجندا الصهيونية أن نفس الأدوات التي تخلق تلك الصور تتعرف عليها وتؤكد أنها ليست حقيقية بمنتهى السهولة 

 

https://www.aiornot.com

 

ليس هناك حل إذا سوى محاولة تبييض وجه النازية، بدون نزع الإجرام عنها كليا بالطبع وهذا هو حلم كل رجل أبيض في العالم الآن، حسنا لقد قمنا بمحاولة إبادتهم ولكن لسنا أكثر البشر إجراما، أنظروا لهؤلاء العرب! إنهم أكثر إجراما منا…

 

تكاتف قوى اليمين

تطورت سردية اليمين الأبيض المتطرف عبر العقود من إنكار الهولوكوست تماما ووصفه بمجرد مؤامرة إعلامية يهودية إلى محاولة التقليل من حجم الجريمة، حسنا كنا نضطهد اليهود لكن لم يكون الاضطهاد بذلك السوء. لم يعد إنكار الهولوكوست ممكنا مع تطور أدوات البحث العلمي والتدقيق وعمل عشرات من الأكاديميين على تتبع السرديات التاريخية وتوثيقها. بالطبع مازالت السردية الشعبوية مقتصرة على اضطهاد اليهود وتتجاهل محاولة الإبادة النازية لشعوب الروما والمثليين والشيوعيين وذوي الاحتياجات الخاصة ولكن في كل الأحوال لم يعد الإنكار استراتيجية معقولة بل وتم دفعها تماما إلى ركن نظريات المؤامرة فأصبح إنكار الهولوكوست في نفس خندق الأرض المسطحة ومعاداة اللقاحات.

 

ومع استمرار انهيار المشاريع اليسارية الغربية وتصاعد اليمين في العشرين عام الماضية حتى وصلنا لمرحلة وصول اليمين الشعبوي للسلطة في أمريكا وأوروبا وأمريكا الجنوبية تزايد أيضا التشابك بين المشروع الصهيوني وقوى الرأسمالية اليمينية في العالم، تظل دائما صورة نتنياهو وترامب هي أكبر صورة رمزية لهذا التزاوج، عنصري معادي للسامية وسفاح يهودي الديانة. قمة العبث إذا ما نظرت لها دون تحليل ارتباط المصالح الاقتصادية بين التيارين.

 

الآن تتلاقى مصالح اليمين الأبيض المتطرف والمشروع الصهيوني "لحظيا" بشكل أكثر تركيبا، يمكن لليمين الأبيض الأوروبي لوم العرب والمهاجرين على كل مصائب العالم ويمكن للصهيونية خلق بديل للمظلومية التاريخية والسبب الوجودي وراء المشروع الصهيوني إذا ما فشلت الصهيونية في كبت الأصوات اليهودية العلمانية الداعمة لحقوق الفلسطينيين. 

 

 

أعتقد أن تلك الاستراتيجية مدمرة على المدى الطويل للمشروع الصهيوني إذا ما استمر في محاولة استبدال المظلومية التاريخية. لا يمكن بأي شكل من الأشكال مقارنة المقاومة الفلسطينية بالنازية لأسباب لوجستية بحتة، لن تستطيع أدوات الصهيونية الإعلامية خلق أدلة كافية لوصم المقاومة بجرائم تقترب حتى من جرائم جيش الاحتلال، بالطبع انضباط المقاومة الملحوظ في طوفان الأقصى كان سببا في ذلك ولكن السبب الأهم هو عدم قدرة المقاومة أصلا على ارتكاب تلك البشاعة حتى لو أرادت. بكاء الصهاينة على شبكات التواصل الاجتماعي بسبب معاناتهم من المقاومة أصبحت مثيرة لضحك الأوروبيين قبل العرب، واحد من أكثر فيديوهات الصهاينة انتشارا على تيك توك هو وصف معاناة صهيونية شابة من عدم توافر ال sour dough.. عجزت قدرتي اللغوية عن التعبير عن شعوري عند مشاهدة ذلك الفيديو فاستخدمت مناخيري.

 

بالرغم من سذاجة الاستراتيجية وحتمية فشلها في رأيي على الأقل بالنسبة للصهاينة وأن المستفيد الآني والمستقبلي الوحيد منها هو اليمين الأوروبي الأبيض كما هو واضح من تصاعد معاداة المسلمين والعرب في أوروبا وأمريكا على جميع الأصعدة بداية من جرائم الكراهية في الشوارع وصولا إلى الاضطهاد الأكاديمي إلا أن هناك شئ مغري للمتابع العربي في تبني جزء من تلك النظرة ومحاولة تجاهل جرائم النازية بفرض أن ذلك يحارب سبب وجود إسرائيل بالأساس، مع بداية العدوان الصهيوني على غزة أصبح واحد من أكثر مستخدمي تويتر اﻷمريكيين شهرة في العالم العربي نازي جديد من داعمي ترامب لكونه يدون بكثافة ضد إسرائيل. ليست تلك الظاهرة جديدة، تاريخيا كان النازيون الجدد من الطبقة العاملة المعزولين عن الرأسمالية المتحالفة مع الصهيونية وغير المستفيدين رأسماليا من ذلك التحالف داعمين للقضية الفلسطينية بسبب كراهيتهم التاريخية لليهود.

 

ليس كل اليمين الأبيض على قلب واحد 

يجب دائما الانتباه أن التقسيم العنصري ليس إجابة شاملة دقيقة في هذا الصراع (أو أي صراع أصلا)، هناك تقسيم طبقي يجب الانتباه إليه عند الحديث عن اليمين الأبيض. مازال اليمين الأبيض الأكثر فقرا يتمسك بمعاداة اليهود التاريخية على عكس اليمين المستفيد من البنية الرأسمالية العالمية المتداخلة مع الصهيونية منذ عشرات السنين والتي تتعمق تشبيكاتها مع الصهيونية أكثر فأكثر كل يوم. أثبت الاستثمار في ذلك الارتباك العقائدي اليميني فشله تماما عبر تاريخ النضال العربي ضد المشروع الصهيوني لأسباب أكثر جذرية من مجرد عدم قدرة مهاويس اليمين الانتصار لأفكارهم المعادية للسامية، هناك أيضا أسباب أخلاقية ومنطقية تحتم علينا عدم تبني تلك النظرة، يجب علينا التصالح مع أن عدونا كعرب و يهود علمانيون واحد وهو العنصرية البيضاء والرأسمالية.

 

نظريات مستعمرة الجذام التي يريد الأوروبيين التخلص من اليهود بإلقائهم فيها وإيمان المسيحيين الإنجيليين المخابيل بوجوب جمع اليهود في أرض الميعاد لقيام الساعة بدأ الكثيرون في تحديها علانية. مع تصاعد الرفض اليهودي للصهيونية كفكرة تزداد أهمية المظلومية الجديدة للصهاينة وعلينا الحذر تماما من أي محاولة لليمين للتحالف معنا بأي شكل من الأشكال سواء لتبييض وجه النازية الذي يجري الآن أو للعنصرية تجاه كل اليهود عموما. 

التعليقات